الجمعة، 25 مايو 2012

البوذية



سميت بالبوذية نسبة إلى "غاوتاما بوذا" المتوفي سنة ٤٨٣ ق.م. مؤسسها ، وهي إحدى الديانات الرئيسية بالعالم.
وتعني الكلمة في الأصول الأجنبية "المستنير" أو "المتيقظ" ، لكن اسمه الحقيقي كان "سيد هارتا" sidharta .
وسمّي بالمستنير لقوله يوماً : "لم يعد لدي ما أفعله في هذه الدنيا". فاعتبروا ذلك منه بمثابة الفكرة المستنيرة وأنه استنار بها واهتدى. 
جاءته هذه الفكرة وهو جالس تحت شجرة "البو" التي أطلق عليها أتباعه "شجرة الاستنارة" والموجودة في منطقة سمّيت "بوذا جايا" .
صوره البوذيون أنه كان جالسا واضعا كفه اليمنى على الأرض متأملا وفق الطريقة التي تعلمها ، 
ساعيا للوقوف على الحقيقة وبلوغ درجة الإشراق، إلى أن اكتشف أن أصل المعاناة يعود إلى الرغبة والجهل.

لم يفكر بوذا في تعليم الناس على الطريقة التي سلكها لعلمه بوعورتها ومشقتها على الناس.
لكنه في النهاية ذهب إلى حديقة غزلان في  "سارناتا-الهند" وفيها ألقى أولى مواعظه التي يسميها البوذيون "دوران عجلة الشريعة"
وبها تلخيص لأربع حقائق نبيلة مختومة بالطريق الثماني النبيل.
ثم أمضى متجولا يعلم الناس ما اكتسبه من معتقدات ويجادل المعلمين حتى توفي وهو في الثمانين من عمره. 
وسمّيت وفاته بـ "النيرفانا الأخيرة" أي السعادة القصوى.

حسنا، 
ماهي الحقائق الأربع؟
الحقائق الأربع النبيلة هي :
أن الحياة كئيبة غير مقنعة ;
وأن الطمع سر بلائها ;
وأن القضاء على كآبتها يمكن بالقضاء على الطمع فيها ; 
وأن السبيل إلى ذلك يكون بالطريق الثماني النبيل الذي يتضمن :
الرأي السديد ، والطموح السديد ، والقول السديد ، والسلوك السديد ، و التكسُّب السديد ، والجهد السديد ، والعقل السديد ، والتفكير السديد ;
وبهذا يتحقق الصفاء النفسي والفكري فيبلغ الإنسان النيرفانا .. أي الإنطفاء والخمود حيث يزول الإحساس منّا كذوات ويذوب ليتلاشى في الوجود.
وهذا يثبت أن البوذية هي فلسفة عدمية أو فلسفة نفي.




إذا الديانة البوذية هي من أكبر الديانات الوضعية والفلسفية في العالم. 
انتشرت في شمال شرقي الهند حتى وصلت معظم أنحائها ، وعبرت شمالا عن طريق جبال الهملايا وصولا إلى الصين والتيبت وكوريا واليابان. 
وجنوباً إلى سيرلانكا وتايلاند وبورما وكمبوديا وفيتنام ، حتى وصلت إلى بعض أنحاء أوروبا وأمريكا وأستراليا خلال القرن العشرين.
ويقدّر عدد البوذيين حول العالم بنحو ٣٠٠ مليون بوذي.

لنفصّل الحقائق الأربع النبيلة لنعرف أهدافها الحقيقية ، لأنها تمثل البداية عند البوذيين وتؤكد بنكران الحياة والإعراض عنها "الزهد" وذلك لما يأتي:
١- الألم موجود كما يُلاحظ في الشيخوخة والمرض والموت ومتاعب الحياة من فراق المحبين ولقاء العدوين.
٢- أسباب الألم الناشئة من الرغبات والشهوات تنمي عند الطمع وحب التملك والحرص على الأشياء عند الإنسان.

يقول بوذا:(ان سر هذه المتاعب هو رغبتنا في الحياة وسر الراحة هو قتل تلك الرغبة)
٣- هذه الأسباب قابلة للزوال فيبطل الحزن متى بطلت الشهوة والطمع فيصل الإنسان إلى السعادة القصوى التي ذكرنا سابقا تسميتها بالنيرفانا "الخير الأعلى".
٤- هناك طريق للسعادة والمعرّف بالطريق الثماني النبيل والذي يتضمن درجتين من الحكمة وأربع درجات من الأخلاق و ينتهي بدرجتين من التأمل. 

تفصيل الطريق الثماني النبيل :
١- المعرفة الحقة والآراء السليمة و رؤية الحياة من خلالها .
٢- العزم الصحيح ومحاربة الشر والتفكير بعطف ورقة ; لأن اللاعنف هو الأقرب للروح الإنسانية.
٣-القول الحق ، فلا يؤذي الإنسان غيره بالقول السيء.
٤- السلوك الحسن والعمل الصحيح : لايؤذي الكائنات الحية ولا يأخذ ما لا يعطي ولا يمارس علاقات جنسية غير مشروعة ولا يشرب الخمر ولا يتعاطى المخدرات.
٥- الحياة الفضلى  بكسب العيش بطريقة لا تؤذي الآخرين أو تتسبب في خسارتهم.
٦- السعي المشكور ببذل الجهد في الطريق المستقيم.
٧- اليقظة بحيث يتيقظ الإنسان لما حوله وما يكمن بداخله.
٨- التأمل الصحيح بأن يركز فكره ويتأمل فيما يقوم به.
ويمكن أن يبدأ البوذي هذا الطريق الطريق بما يسمونه "دكا" التي هي الحقائق الأربع. 
هذه الرسمة تمثل القواعد النبيلة :



وعندما يعتنق شخص ما الدين البوذي عليه أن يعلن وبصريح العبارة أنه يلتمس لنفسه الملاذ ويتعوذ بالجواهر الثلاث "أعوذ ببوذا، بالدراما وبالسانغا"، ويتم ذلك أمام جمع من الرهبان البوذيين "سانغا"، وفق مراسيم وطقوس خاصة. 

  • بوذا: والمقصود هنا الشخصية التاريخية المعروفة باسم "غاوتاما".
  • الدارما: وهي التعاليم التي تركها بوذا .
  • السانغا: وهي طائفة الرهبان والراهبات. 
"الحياة الرهبانية بسيطة جدا ، فهي تقتصر على التأمل والدرس والعمل والنوم القليل ووجبة طعامٍ واحدة في اليوم."

...

رأى بوذا في مسألة الشيخوخة والمرض والموت أنه لا شيء ثابت في الحياة فأخذه هذا إلى القول بـ "الأناتمان" وهي الإعتقاد بأنه لا جوهر ثابت في الإنسان أو الأشياء ، ووفقا لهذا فإن الإنسان جزء من نموذج متغير يجري خلال الحياة.

يوجد أيضا ما يسمّى بـ " السمسرا" ، أو الدورات اللانهائية للولادة والتغير والموت ثم الولادة من جديد ، بمعنى عجلة الحياة ، والتي تهدف البوذية إلى تخطيها.
وهي ما أطلقه البوذيون على علامات الوجود الثلاثة : 
الألم ، وعدم الثبات والدوام ، و اللانفس. 

أما في مجال التطبيق نجد أن البوذية تميل إلى المبدأ الوسط ، الجمع مابين المادة والعقل ، الروح والحاجات الدنيوية، إذ يؤمن البوذيون بأن السعادة تكون وسطاً يأتي مابين التقشف والزهد والإنغماس بالملذات. 
ويقولون بأن أساس العمل الأخلاق ، ولبلوغ السعادة عليهم اتباع تعاليم بوذا الخمس أو القواعد الخمس للسعادة ، إذ سار عليها بوذا وتبعه البوذيون عليها وجعلوها جزءا من حياتهم. 
بُنيت هذه القواعد على القول الحق وحسن السلوك، وأضاف عليها البوذيون من بعد بوذا خمسا أخرى لتصبح عشرة قواعد.
ويؤدي اتباع هذه القواعد إلى الإمتناع عمّا هو آت :
١- إيذاء الآخرين .  ٢- سوء استخدام الحواس.  ٣-قول غير الحق.  ٤-أخذ مالا يعطى.  ٥- شرب الخمر وتناول المخدرات.  ٦- أكل الطعام قبل نضجه أو في غير أوانه. 
٧- الرقص أو الموسيقى والغناء.  ٨- اتخاذ الطيب.  ٩- اتخاذ المقاعد الضخمة والمساند الفخمة والفراش المريح.  ١٠- اقتناء الذهب والفضة.

يؤكد البوذيون أهمية التأمل فمن خلاله نصل إلى الحقائق ونعرفها. 
وللتأمل أنواع : ١- الساماثا "الهدوء" 
ويعتمد على مراقبة النفس والنظر لما يكمن داخلها ويؤكد على الوعي التام باللحظة الحاضرة. 
٢- الميتا .. ويؤكد على الرقة المرغوب فيها في قلب الإنسان تجاه كل شيء حوله.

و بالنسبة لأعيادهم فهي مرتبطة بحياة بوذا ومسيرته من مولد وتنوير ووفاة وبعض الأحداث المعروفة في تاريخ البوذية. ومن أشهر هذه الأعياد "الوسياك" أو 
فيساكابوجا. ويتم فيها تقديم القرابين من فواكه وزهور وبخور .
تختلف بعض مظاهر التبجيل والاحتفال ببوذا والقديسين تبعا للمذهب والبلاد، فرغم أن أتباع مذهب "تيرفادا" لم يرفعوا بوذا التاريخي إلى درجة الألوهية،
إلا أنهم خصصوا له بناءات خاصة تدعى "ستوبا" وهي أبنية على شكل قباب، توضع بداخلها لوازم وآثار مختلفة ترجع إلى بوذا. 
يقوم الأتباع بالمشي حول مبنى الـ"ستوبا" في اتجاه عقارب الساعة، حاملين معهم زهورا وبعضا من عيدان البخور، كدلالة على احترامهم للمكان.
ويلبس البوذيون لباسا برتقالي مكوّن من قطعة قماش واحدة تلف على الجسم ويحلقون رؤوسهم. 
..

هناك مدارس بوذية فلسفية : الثيرافادا تعني لغة "طريقة السلف" والماهيانا والتي تسمى بالبوذية الشمالية وأيضا تسمى بالبوذية السنسكريتية
الثيرافادا والماهيانا هما من أبرز المدارس وهما مدرستان رئيسيتان . وتوجد عدة مدارس بوذية أخرى في الماهيانا و أشهرها "زن" في الصين واليابان.
وفي التيبت نجد التاترا ولها تعاليم سريّة مرتبطة بالغورو "القائد أو المرشد الروحي" وفيها ٣ أنواع أو درجات من التمارين البوذية...

ختاماً ، يؤخذ على هذه الديانة غلوها الذي يتمثل في زعمها على القضاء على الغرائز الإنسانية وهذا غير ممكن.
مايمكن للإنسان هو توجيه غرائزه للطريق الصحيح للوصول إلى الأهداف السامية دون خلل أو خرق للطبيعة. 
ويتمثل أيضا في الزهد الشديد المبالغ فيه والإعراض عن الحياة ورفضها فهذا غير سليم ،
بالرغم من أن هذه الديانة تحث على الإيجابية في اتخاذ كل شيء ، وتبحث عن السعادة في أعماق الروح البشرية بدون الحاجة لإشباعها ماديّا ، وتبحث عن السلام بين الناس وتحث على التعايش بحب ورقة بالسلوك الحسن وضبط النفس عمّا يعلقها بمتاعب الحياة والتعلق بها...

الديانة البوذية تحمل فكرة التناسخ والتقمص وهما فكرتان لا يقبل بهما عقل ولا شرع. 
البوذية ديانة وضعية لا يعتقد أتباعها بوجود خالق أو إله لهذا الكون ... 

فحمدا لله على نعمة الإسلام :) 

انتهى. 

ــــــــــــــــــ

المراجع :
ـ المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة.
- الموسوعة العربية العالمية ( ب ) .
- ويكيبيديا عربي.
ـ الجزيرة الوثائقية.

هناك تعليق واحد: